الجمال أن تكون عاديا.

الجمال أن تكون عاديا.

منذ أسبوع

بقلم : د. خالد نبهان البنا

 

الجمال أن تكون عاديا

 

لفترة من الزمن، طويلة جدا للأسف، جاء على الناس والمجتمع حين -بل أحايين- من الدهر

زادت فيه حدة التصارع والتنافس بشكل شريف أو غير شريف

المهم أن الجميع كأنهم فى سباق لا هوادة فيه، كلهم يهرولون بسرعة أو يجرون بصرف النظر إذا كان يوجد هدف يسعون إليه أو حتى أنه يجرون ويتسابقون إلى "لا هدف"، الجميع يشعر كأنه فى سباق، فى كل الأمور؛ فى الأمور التافهة والأمور العظيمة، يتسابقون حتى أنهم لا يجدون وقت للتوقف ليلتقطوا الأنفاس فيتساءلون إلى متى كل هذا الجرى الشديد الذى يقطع الأنفاس؟ أحيانا بل السؤال الأهم إلى أين؟ ما الهدف؟

هل الهدف نجاحا فى الدراسة؟

هل الهدف نجاح فى العمل؟

هل الهدف أن أكون الأفضل والأحسن؟

ما الهدف؟

وسط الصراع المحموم، والسرعة الشديدة التى لا وقت فيها لالتقاط الأنفاس، جعلتنا نفقد بوصلتنا، لأن من شدة التسارع، والتصارع؛ التسارع يزيد من حدة  شعورك أن الوقت ينفذ،  وأنك تريد كل شيء بسرعة لأن الوقت محدود، ولا تريد أن تفقد وقت، كل هذا أنشا عندك ما يمكن أن نسميه "قلق الوقت" والمثير فى الأمر أن الوقت ينفذ فعلا، وشعورك بمروره بسرعة إنما جاء لأنك تقوم بالفعل بعمل أشياء، لو عرفت أن سبب سرعة الوقت هو كم ما تفعله وكم ما تنجزه، لربما شعرت ببعض الرضا، وببعض المتعة لكن لأنك لا تعطى نفسك فرصة لتأمل فيما تفعله، جعلك هذا تظن الوقت ينفذ، صحيح أن الوقت يمر، وصحيح تماما أن الوقت لا يقف، سواء كنت تفعل أو لا تفعل، لكن الأكثر صحة أنك بالفعل تسعى وتعمل ، فرفقا بنفسك، والأكثر أهمية أنك لست فى سباق ، لست فى منافسة، فأنت بالفعل تؤدى عملك الذى تتقنه، أو على الأقل تحاول أن تتقنه، والذى تحبه، أو على القل تحاول أن تحبه، فرفقا بنفسك .

إذن السؤال لماذا؟ .. ولماذا لا أشعر بالتنافس؟، أليس هذا يجعلنى أكثر دافعية؟ وأكثر رغبة فى العمل؟
الإجابة نعم بكل تأكيد

لكن المشكلة تنجم حين يتحول هذا التنافس إلى كثير من التقييم الذات المستمر، و عقد سلسلة من المقارنات الدائمة مع الأخرين، وأحيانا ما يكون بعد التقييم، والمقارنات الشعور بعدم الرضا عن الذات، وعدم الاهتمام الجيد بما تسطيعه، بل وانشغالك الدائم بمن حولك ممن تتنافس معهم أو على الأقل يخيل إليك أنك تتنافس معهم، وللأسف فقد زادت من حدة الشعور بالتنافس كافة عناصر أساليب الحياة المعاصرة، فناك صراع منذ أن كنت فى الدراسة الابتدائية أن تكون الأول أو من العشرة الأوائل، وإذا كنت فى سباق فتريد أن تفوز، حتى لو كان العائد من هذه الفوز لا يكافئ الجهد المبذول، انظر حولك للمنافسات الرياضية، تجدها أبعد ما تكون عن أهداف ممارسة الرياضة، ففي حين أن ممارسة الرياضة هي بسبب أن تكون فى صحة جيدة ، وخالة أفصل أو زيادة السعادة تحولت إلى عمل تجارى محض، تكون أنت وأنا وغيرنا عناصر من هذه اللعبة التجارية الكبرى، وليس هذا معنى أبدا أن تكون ضد التجارة والعمل التجارى ، ولكن معناه أن تكون أكثر فهما ووضوحا هل تمارس الرياضة كمنافسة؟ واكتساب مهارات؟ أم هي عمل تجارى محض.

عنوان مقالنا إذا كنت لازلت تذكره "الجمال أن تكون عاديا" فما علاقته بما نكتب عن التنافس والتسارع، العلاقة ببساطة أو منافستك مع الآخرين تجعلك فى مقارنة دائمة، والسرعة تجعلك لا تلتفت إلا إلى ما تراه يمكن أن يحقق فوزك، ثم ما تمارسه وسائل الإعلام من ترسيخ صور نمطية معينة أن الأفضل والأحسن والأسرع والأجود وكل الصيغ الممكنة ل (أفعل) التفضيل، وبسبب حرص البعض على الفوز فإنهم يغيرون من أنفسهم ليكونوا أكثر قربا من تلك الصور النمطية، وينتج عن كل ذلك سعي شديد لتكون أنت الشخص الموجود فى هذه الصورة.

وهذا السعي المحموم لأن تكون أفضل – رغم أنك كذلك بالفعل- يكون مصحوباً بالكثير من الإرهاق الشديد والشعور بالتعب المتواصل، بل أحيانا والأرق بل أكثر من ذلك آلام متفرقة ليس لها أسباب، حتى فى حالة الحصول على ما نريد. تشعر بكل هذا التعب.

أرأيت يا صديقي، لأن المكاسب التى نحصل عليها بطبيعتها مؤقتة، غير دائمة، وبالتالي يستمر الشعور بالقلق والرغبة نحو المزيد من النجاح، والشهرة، والشعور بالتميز مقارنة بالآخرين، وكثير ما يتولد عنه شعور بالجوع للدفعة التالية ومزيد من التميز، مزيد من المنافسة المحمومة، ونظل مشغولين جدًا بالحكم على أنفسنا، أو القلق بشأن كيفية المقارنة بالآخرين، والاقتراب من تلك الصور النمطية.

الخلاصة إذا كنت وصلت إلى هنا

الجمال والتميز ليس أن تكون الأول ولا الأفضل والأسرع ولا الأحسن، لأن السعي إلى كل هذا لن ينتهى.. فتأكد من أنك

أنت جميل بالقدر الذى أنت عليه

أنت جميل بأن تكون عاديا

أنت جميل كما أنت 

استمتع بما وصلت إليه

 

بتاريخ

06/19/2025

 

مقالات مشابهة