مقدمة

في الأوقات العصيبة، حين تشتد الأزمات وتتراكم الخسارات، يتشبث الإنسان بما يمنحه القدرة على الاستمرار: الأمل.

الأمل هنا ليس مجرد إحساس لحظي أو تفاؤل عابر، بل هو آلية نفسية وفلسفية تدفع الإنسان للبحث عن معنى، وصياغة مستقبل أفضل، رغم قسوة الواقع.

في السياق السوري، الذي شهد عقدًا من التحديات المتواصلة، برز الأمل كخط دفاع داخلي، يمنع الانكسار النفسي، ويحوّل الألم إلى طاقة فعل.

 

الأمل من منظور فلسفي

منذ العصور القديمة، تناول الفلاسفة الأمل باعتباره أحد أعمدة الحياة الإنسانية:

●       أفلاطون رآه وسيلة لحفظ التوازن الداخلي وسط تقلبات الحياة.

●       أرسطو صنّفه ضمن الفضائل المرتبطة بالشجاعة، حيث يدفع الفرد للمضي قدمًا رغم المخاطر.

●       كانط اعتبر الأمل أحد الأسئلة الكبرى التي يواجهها الإنسان: “ماذا يمكنني أن آمل؟” وهو سؤال وجودي يربط المعرفة بالإرادة والأخلاق.

●      وفي العصر الحديث، ربط فيكتور فرانكل الأمل بـ”إرادة المعنى”، معتبرًا أن من يجد معنى في حياته، يستطيع مواجهة أي معاناة.

الفلسفة الوجودية ترى أن الأمل ليس انتظارًا سلبيًا، بل قرارًا واعيًا يختاره الإنسان لمواجهة المجهول.

 

الأمل في علم النفس

علم النفس الحديث يعرّف الأمل ضمن إطار نظرية الأمل (Snyder, 2002)، التي تقوم على:

1.    الطاقة الإرادية (Agency): الإيمان بقدرتك على التأثير في حياتك.

2.    المسارات (Pathways): القدرة على إيجاد طرق متعددة لتحقيق الهدف، حتى إذا أُغلق أحدها.

تُظهر الدراسات أن الأمل يرفع القدرة على التكيف مع الشدائد، ويقلل من معدلات الاكتئاب، ويحسّن الصحة الجسدية والنفسية (Gallagher & Lopez, 2009).

 

الأمل كعامل تعافٍ نفسي

في العلاج النفسي، الأمل يُستخدم كأداة فعّالة لدعم المرضى، خاصة في حالات الاكتئاب أو الصدمات.

يؤكد (عبد الرحمن، 2018) أن “تعزيز الأمل يعيد للفرد القدرة على تخيّل المستقبل، وهو أول خطوة في طريق التعافي”.

كما تشير أبحاث عربية حديثة إلى أن الأمل يقلل من أثر اضطراب ما بعد الصدمة لدى النازحين السوريين (حسين، 2020).

 

الأمل في السياق السوري

في الحياة اليومية للسوريين، الأمل يتجلى في صور عملية:

●       التعليم وسط الدمار: طلاب يعودون إلى المدارس حتى في أبسط الظروف.

●       المشاريع الصغيرة: أسر تبدأ أعمالًا بسيطة لتأمين لقمة العيش.

●       الفن والإبداع: رسامون وموسيقيون يوثقون الأمل وسط الخراب.

هذه المظاهر تثبت أن الأمل ليس فكرة مجردة، بل قوة اجتماعية تبني المستقبل.

 

الأمل والصمود النفسي

الأمل والصمود النفسي (Resilience) متلازمان؛ فالأمل يمد الصمود بالاتجاه والمعنى، بينما يمنح الصمود الأمل قدرة الاستمرار.

الباحثة مَاستِن (Masten, 2014) تسمي هذه الظاهرة “السحر العادي”، أي أن الأمل والصمود هما قدرات إنسانية طبيعية، لكنها تصبح بطولية في الأزمات.

 
استراتيجيات لتعزيز الأمل

1.    التفكير المرن: رؤية العقبات كفرص للتعلم.

2.    التواصل المجتمعي: مشاركة قصص نجاح محلية لإلهام الآخرين.

3.    الفنون والأنشطة الثقافية: كوسائل علاجية وجماعية.

4.    وضع أهداف قابلة للتحقيق: تقسيم المشاريع الكبرى إلى خطوات صغيرة.

5.    التعليم المستمر: لأنه يربط الحاضر بالمستقبل.

خاتمة

الأمل ليس رفاهية، بل هو شرط للحياة النفسية السليمة. في سوريا، الأمل أصبح فعل مقاومة داخلية ضد الانكسار، وجسرًا بين الحاضر والمستقبل.

حين يتم تبنيه كقيمة فردية وجماعية، يمكنه أن يحوّل المأساة إلى منطلق لنهضة جديدة.

 

المراجع

مراجع عربية

●       عبد الرحمن، محمد أحمد. (2018). الأمل وعلاقته بالتكيف النفسي لدى عينة من مرضى الاكتئاب. مجلة العلوم النفسية، 12(3)، 45–66. القاهرة: الجمعية المصرية للعلوم النفسية.

●       حسين، أحمد عبد القادر. (2020). الأمل كعامل واقٍ من اضطراب ما بعد الصدمة لدى النازحين السوريين. مجلة الدراسات الاجتماعية، 15(2)، 122–140. دمشق: جامعة دمشق، كلية التربية.

●       أبو الديار، مسعد نجاح. (2012). سيكولوجية الأمل (من منظور نفسي–تربوي–إسلامي). الكويت: طبع المؤلف.

مراجع أجنبية

●       Frankl, V. E. (2006). Man’s search for meaning (I. Lasch, Trans.). Beacon Press. (Original work published 1946)

●       Gallagher, M. W., & Lopez, S. J. (2009). Positive expectancies and mental health: Identifying the unique contributions of hope and optimism. The Journal of Positive Psychology, 4(6), 548–556. https://doi.org/10.1080/17439760903157166

●       Masten, A. S. (2014). Ordinary magic: Resilience in development. Guilford Press.

●       Snyder, C. R. (2002). Hope theory: Rainbows in the mind. Psychological Inquiry, 13(4), 249–275.