
التدخلات النفسية والاجتماعية لدعم المرأة السورية في ظل التغيرات الاجتماعية
منذ أسبوع
بقلم : د. منى حمدي
الصحة النفسية للمرأة السورية في ظل الأزمات: تحديات الواقع واستراتيجيات التمكين
تُعدّ الصحة النفسية أحد المقومات الأساسية لاستقرار الفرد والمجتمع، حيث تؤثر بشكل مباشر على جودة الحياة، الإنتاجية، والعلاقات الاجتماعية. وتزداد أهمية هذا الجانب عندما يتعلق الأمر بالمرأة، نظرًا لدورها المحوري في بناء الأسرة والمجتمع. في السياق السوري، فرضت الحرب المستمرة منذ أكثر من عقد تحديات غير مسبوقة على النساء، حيث وجدن أنفسهن في مواجهة ضغوط نفسية واجتماعية هائلة، ناتجة عن النزوح، فقدان الأحبة، العنف الأسري، التغيرات الاقتصادية، والزواج المبكر.
لقد غيّرت الأزمة السورية بشكل جذري الأدوار التقليدية للمرأة، فبعد أن كانت تعتمد في كثير من الأحيان على الدعم الأسري والمجتمعي، أصبحت مسؤولة عن إعالة أسرتها في ظل ظروف معيشية صعبة. وبالإضافة إلى الضغوط الاقتصادية والاجتماعية، تعاني النساء السوريات من مشكلات نفسية معقدة مثل اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، الاكتئاب، القلق المزمن، والعزلة الاجتماعية. وتشير التقارير إلى أن نسبة كبيرة من اللاجئات السوريات في المخيمات ومناطق النزوح الداخلي يعانين من مستويات مرتفعة من التوتر النفسي بسبب العنف القائم على النوع الاجتماعي، والتحديات المرتبطة بالتكيف في بيئات جديدة تفتقر أحيانًا إلى أدنى مقومات الاستقرار النفسي والاجتماعي.
وفي ظل هذه التحديات، تبرز الحاجة إلى دراسات معمقة لفهم العوامل المؤثرة على الصحة النفسية للمرأة السورية، وتحليل التدخلات النفسية والاجتماعية التي يمكن أن تساهم في تحسين واقعهن النفسي. ومن هذا المنطلق، تهدف هذه الدراسة إلى تسليط الضوء على أبرز المشكلات النفسية التي تواجه المرأة السورية، والعوامل المساهمة في تدهور صحتها النفسية، مع تقديم مقترحات وحلول عملية تهدف إلى تعزيز التكيف والدعم النفسي والاجتماعي، سواء على مستوى الأفراد أو من خلال السياسات والمبادرات المجتمعية.
يتناول هذا البحث عدة محاور رئيسية، تشمل تأثير الحرب والنزوح على الصحة النفسية للمرأة السورية، العنف الأسري والزواج المبكر كعوامل ضغط نفسي، التغيرات الاجتماعية والاقتصادية وتأثيرها على نفسية المرأة، بالإضافة إلى استراتيجيات التدخل النفسي والاجتماعي التي يمكن أن تساعد في تحسين جودة الحياة للنساء المتأثرات بالصراع. وتعتمد الدراسة على تحليل الأبحاث والدراسات الميدانية السابقة، إلى جانب استعراض الجهود المبذولة من قبل المنظمات الدولية والمحلية لدعم النساء نفسيًا واجتماعيًا.
إن تسليط الضوء على هذه القضية لا يقتصر فقط على الجانب الأكاديمي، بل يحمل بُعدًا إنسانيًا واجتماعيًا مهمًا، حيث إن تحسين الصحة النفسية للمرأة السورية لا يعود بالفائدة عليها فقط، بل ينعكس إيجابيًا على الأسرة والمجتمع بأسره، مما يساهم في تعزيز الاستقرار الاجتماعي وإعادة بناء المجتمع السوري على أسس أكثر تماسكًا وإنسانية.
أولًا: التدخلات النفسية المباشرة
1- العلاج النفسي والاستشارة الفردية:
يُعد العلاج النفسي أداة مهمة في مساعدة النساء السوريات على التعامل مع الصدمات النفسية والضغوط الاجتماعية. تشمل الأساليب الفعالة:
· العلاج السلوكي المعرفي (CBT): يساعد في معالجة اضطراب ما بعد الصدمة والقلق والاكتئاب، من خلال تغيير أنماط التفكير السلبية (Bolton et al., 2014).
· العلاج بالتعرض التدريجي: يساعد النساء الناجيات من العنف والصدمات على مواجهة مخاوفهن وإعادة بناء الشعور بالأمان.
· الاستشارات النفسية الجماعية: توفر بيئة داعمة حيث يمكن للنساء مشاركة تجاربهن والتعلم من بعضهن البعض، مما يقلل من الشعور بالعزلة (Hijazi et al., 2019).
2- برامج الدعم النفسي الاجتماعي:
تشمل هذه البرامج أنشطة مجتمعية تهدف إلى تعزيز التكيف النفسي والاجتماعي، مثل:
· المجموعات النسائية الداعمة: حيث تجتمع النساء لمناقشة تجاربهن وتقديم الدعم لبعضهن البعض.
· الرياضة والفنون كأدوات علاجية: أظهرت دراسات أن الفن والرياضة يمكن أن تساعد في تخفيف التوتر وتحسين الصحة النفسية (Betancourt et al., 2013).
· برامج التأهيل السلوكي للأطفال والأمهات: لمساعدة الأمهات في التعامل مع الضغوط النفسية الناتجة عن رعاية الأطفال في بيئات غير مستقرة.
ثانيًا: التدخلات الاجتماعية والاقتصادية
1- التمكين الاقتصادي للمرأة:
يعد الاستقلال المالي عاملاً أساسيًا في تحسين الصحة النفسية للنساء السوريات، حيث يقلل من الضغوط الاقتصادية ويعزز الشعور بالقدرة على التحكم بالحياة. تشمل استراتيجيات التمكين:
· التدريب المهني وتوفير فرص العمل:
مثل دورات الخياطة، الحرف اليدوية، وتكنولوجيا المعلومات، مما يساعد النساء على دخول سوق العمل وتحقيق الاستقلالية المالية (ILO, 2021).
· دعم ريادة الأعمال النسائية:
من خلال توفير قروض صغيرة أو منح لدعم المشاريع الصغيرة، مما يمكن النساء من بدء أعمالهن الخاصة وكسب الدخل.
· برامج التثقيف المالي:
لتعليم النساء كيفية إدارة الأموال والادخار، مما يقلل من القلق المرتبط بالمستقبل المالي.
2- تحسين الوصول إلى الخدمات الأساسية:
· تعزيز خدمات الصحة النفسية في مراكز الرعاية الأولية: من خلال توفير أخصائيين نفسيين في العيادات والمستشفيات لضمان حصول النساء على الدعم اللازم.
· التوعية بالصحة النفسية: من خلال حملات إعلامية تهدف إلى تقليل الوصمة الاجتماعية المرتبطة باضطرابات الصحة النفسية وتشجيع النساء على طلب المساعدة عند الحاجة.
· إتاحة الخدمات عبر الإنترنت: يمكن أن تكون خدمات الاستشارة النفسية عبر الإنترنت فعالة في الوصول إلى النساء في المناطق النائية أو اللاجئات اللواتي يواجهن صعوبة في الوصول إلى العيادات الصحية.
ثالثًا: التدخلات الخاصة بالعنف القائم على النوع الاجتماعي
1- إنشاء مراكز حماية ودعم للناجيات من العنف:
تعد مراكز الحماية أماكن آمنة تقدم للنساء الدعم النفسي والاجتماعي، وتشمل خدماتها:
· الإيواء الطارئ للنساء اللواتي يتعرضن للعنف الأسري.
· الخدمات القانونية لمساعدتهن في الحصول على حقوقهن القانونية.
· الاستشارات النفسية والاجتماعية لمساعدتهن في التعافي من الصدمات النفسية.
2- برامج إعادة التأهيل النفسي للناجيات من العنف
· العلاج الجماعي للناجيات: يساعد النساء في التحدث عن تجاربهن ومشاركة استراتيجيات التكيف.
· العلاج بالفن والدراما: ثبت أن استخدام الفنون في العلاج يمكن أن يكون وسيلة فعالة لمعالجة الصدمات النفسية وتعزيز التعبير عن المشاعر (Purgato et al., 2018).
رابعًا: دور المنظمات الإنسانية والحكومات في التدخل الفعّال:
1- دعم المنظمات الإنسانية
تلعب المنظمات غير الحكومية دورًا حيويًا في توفير الدعم النفسي والاجتماعي للنساء السوريات. من أبرز الجهات التي تقدم برامج متخصصة:
· المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR)، والتي توفر برامج دعم نفسي واجتماعي.
· منظمة الصحة العالمية (WHO)، التي تطبق برامج الصحة النفسية في مناطق النزاع.
· منظمة كير الدولية (CARE)، التي تعمل على تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للنساء المتضررات من النزاعات.
2- دور الحكومات في تعزيز الصحة النفسية للمرأة
يجب على الحكومات السورية والمجتمعات المضيفة اتخاذ إجراءات لدعم المرأة السورية، مثل:
· إدراج برامج الصحة النفسية في النظام الصحي العام لضمان توفير الخدمات للجميع.
· سن قوانين لحماية المرأة من العنف وتوفير بيئة آمنة للنساء في المجتمع.
· دعم السياسات التي تعزز التمكين الاقتصادي للنساء، مثل تقديم منح للشركات الصغيرة التي تملكها نساء، وتوفير فرص عمل مناسبة.
الخاتمة:
إن الصحة النفسية للمرأة السورية ليست مجرد قضية فردية، بل هي تحدٍ مجتمعي يؤثر على استقرار الأسرة والمجتمع بأسره. فقد كشفت السنوات الماضية عن مدى التأثير العميق للحرب والنزوح والعنف الاجتماعي على النساء، مما أدى إلى ارتفاع معدلات الاضطرابات النفسية، مثل الاكتئاب، القلق، واضطراب ما بعد الصدمة. وفي ظل هذه التحديات، يصبح التدخل النفسي والاجتماعي ضرورة حتمية، وليس مجرد خيار، لضمان قدرة النساء على استعادة توازنهن النفسي وإعادة بناء حياتهن.
لقد أظهرت الدراسات والتجارب الميدانية أن التدخلات المتكاملة، التي تجمع بين الدعم النفسي، التمكين الاقتصادي، وتعزيز الحماية الاجتماعية، هي الأكثر فاعلية في تحسين الصحة النفسية للمرأة السورية. فالبرامج العلاجية مثل العلاج السلوكي المعرفي والدعم النفسي الاجتماعي، إلى جانب برامج التمكين الاقتصادي وتوفير بيئة آمنة، تلعب دورًا محوريًا في مساعدة النساء على تجاوز الصدمات وبناء حياة أكثر استقرارًا. كما أن دور الحكومات والمنظمات الدولية والمجتمعات المحلية لا يمكن تجاهله، حيث تقع عليهم مسؤولية توفير الدعم النفسي الكافي ووضع سياسات تضمن حماية المرأة وتعزز فرصها في الحياة الكريمة.
إن معالجة أزمة الصحة النفسية للمرأة السورية تتطلب تغييرًا جذريًا في الطريقة التي يتم بها التعامل مع القضايا النفسية والاجتماعية، بحيث لا يكون الدعم النفسي مجرد استجابة طارئة في أوقات الأزمات، بل جزءًا أساسيًا من السياسات الصحية والاجتماعية طويلة الأمد. فالمرأة السورية ليست مجرد ضحية للأحداث، بل هي عنصر أساسي في إعادة بناء المجتمع، وإذا لم تحصل على الدعم النفسي والاجتماعي الذي تحتاجه، فإن تأثير الأزمات سيستمر لأجيال قادمة.
لذلك، يجب أن تتكاتف الجهود لضمان وصول المرأة السورية إلى خدمات الصحة النفسية، وتوفير بيئة آمنة تحترم حقوقها وتتيح لها الفرصة للنمو والازدهار. فتمكين المرأة نفسيًا واجتماعيًا ليس مجرد التزام أخلاقي، بل هو خطوة ضرورية نحو بناء مجتمع أكثر تماسكًا وعدالة، حيث تكون النساء قادرات على تحقيق إمكانياتهن الكاملة والمساهمة بفعالية في بناء مستقبل أفضل لسوريا
المراجع
المراجع العربية:
1- السيد، أحمد (2018). تأثير النزاعات المسلحة على الصحة النفسية للمرأة: دراسة ميدانية على اللاجئات السوريات في الأردن. مجلة الدراسات النفسية والاجتماعية، العدد 12، ص 45-67.
2- عبد الله، فاطمة (2019). العنف الأسري وأثره على الصحة النفسية للمرأة السورية النازحة. مجلة العلوم الاجتماعية، جامعة دمشق، المجلد 35، العدد 2، ص 112-134.
3- المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات (2021). النساء السوريات بين الحرب والنزوح: دراسة في التحديات النفسية والاجتماعية.
4- منظمة الصحة العالمية - المكتب الإقليمي لشرق المتوسط (2020). تقرير عن الصحة النفسية للاجئات السوريات في دول الجوار: التحديات والتدخلات.
5- الجمعية السورية للصحة النفسية (2022). الآثار النفسية والاجتماعية للنزوح على المرأة السورية: استراتيجيات المواجهة والتكيف.
6- المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (2021). العنف القائم على النوع الاجتماعي بين اللاجئات السوريات: الإحصائيات والتوصيات.
المراجع الأجنبية:
1- Bolton, P., et al. (2014). Interventions for depression in conflict-affected areas: A systematic review. Journal of Affective Disorders, 183, 1-8.
2- Betancourt, T. S., et al. (2013). Psychosocial problems among war-affected adolescents in northern Uganda: A qualitative study. Journal of Adolescent Research, 28(1), 116-136.
3- Hijazi, Z., et al. (2019). Group therapy for displaced Syrian women: A feasibility study. International Journal of Mental Health Systems, 13(1), 24.
4- ILO. (2021). Syrian Women and the Labour Market. International Labour Organization Report.
5- Murray, K. E., Davidson, G. R., & Schweitzer, R. D. (2019). Psychological Wellbeing of Refugee Women. Journal of Refugee Studies, 32(1), 20-39.
6- Purgato, M., et al. (2018). Psychological therapies for the treatment of mental disorders in low-income and middle-income countries affected by humanitarian crises. The Lancet Psychiatry, 5(6), 482-496.
7- UNHCR. (2021). Gender-Based Violence and Mental Health in Displaced Communities.
8- UN Women. (2020). The Role of Women in Post-Conflict Societies